محمد كريشان
'سورية إذا راحت، سوف يسقط التاريخ العربي وكل شيء وسوف تسقط الجغرافيا العربية'... كاتب وصحافي لبناني.
غيض من فيض ما يتسابق كثير من اللبنانيين هذه الأيام إلى قوله بخصوص سورية وما يجري فيها. الأول قال 'إذا راحت سورية' وهو يقصد نظامها لأن سورية الوطن والشعب لن يذهبا أبدا إلا إذا قامت القيامة ومسحت سورية وغيرها من الخارطة!!
الثاني قال 'لإسقاط المعركة مع إسرائيل' لأن التواضع منعه من الاسترسال في القول وهي حامية الوطيس الآن في الجولان وغيره !!
أما الثالث فما كان يقصده باختصار هو أن الفضائيات لو خرست لاكتشفنا جميعا وبكل بساطة أن لا شيء يجري حاليا في سورية على الإطلاق!!
هؤلاء أنفسهم وغيرهم كثر في بلاد الأرز يبغونها عوجا، فهم عاتبوا وقــــّرعوا ما اعتبروه عدم اهتمام إعلامي وسياسي بما جرى في البحرين، وهم محقون في ذلك، لكن من كان يدافع عن الحكم في البحرين قال بأن ما حدث ليس ثورة وإنما فتنة طائفية زادها سوءا حشر طهران لأنفها فيها. وها هم من نهوا غيرهم عن خلقهم تجاه البحرين يأتون بمثله بشأن سورية.
ما جرى ويجري في سورية ليس ثورة ضد الاستبداد والفساد ومن أجل الحريات والكرامة، هكذا قالوا، بل هي مؤامرة ضد قلعة الصمود ونهج الممانعة في المنطقة.
فلماذا نصدقـّــهم هم تحديدا في تبرير ما لا يمكن تبريره في سورية ونكذب من يفعل الشيء نفسه في البحرين؟!
لماذا ندين منطق 'خيار وفقوس' عند الآخرين ولا نرى نحن حرجا في اعتماده من بعدهم؟!! ثم من قال لهم أو لغيرهم أن هذه الممانعة، التي يرددونها في كل لحظة كالتعويذة، لا يستقيم لها حالا إلا ورقبة المواطن تحت حذاء المخابرات!؟
هذه الممانعة لا حقـّـــا أعادت ولا حريات أرست، مع أن أي دولة ديمقراطية تنعم بمؤسسات فعالة وانتخابات حرة وصادقة ما كان مواطنوها ليتركوا أصلا في سدة الحكم من ظل يمنـّـيــهم لعقود باسترداد أراضيهم المغتصبة ولم يفلح لا سلما ولا حربا.
لنحزم أمرنا بوضوح: إما أن ما يجري في بلادنا العربية ربيع ثورات حقيقي علينا أن ندافع عنه في كل مكان وإما أن نبحث هنا أو هناك عن الأعذار لهذا وذاك. وإذا ما دخلنا هذا المنطق فلماذا تريدنا أن يقبل الواحد منا معاذيرك عن سورية قانعا أو مستسلما ولا تقبل أنت معاذير غيرك عن البحرين؟! ثم إنه لو اجتهد جهابذة كثر، كما يفعل بعض اللبنانيين الآن مع سورية، لما سقط بن علي ولا مبارك ولما ترنح القذافي ولا علي عبد الله صالح وبالتالي لظللنا راضين بالدكتاتوريات متغنين ومفتونين بمحاسنها.
نقطة أخيرة، لماذا يستبسل بعض اللبنانيين دون غيرهم في الدفاع عن الحكم السوري أكثر من بعض السوريين أنفسهم؟!
وما سر هذه الحمية الجياشة؟! في بدايات تسعينات القرن الماضي، وفي تغطية للانتخابات الرئاسية في سورية، المعروفة اختصارا بـ'تجديد البيعة' للرئيس الراحل حافظ الأسد، ذهلت لوجود لوحات دعائية ضخمة للرئيس السوري في بلدتي زحلة وشتورة اللبنانيتين فتلك كانت أول مرة أرى فيها حملة انتخابية رئاسية لبلد في بلد مجاور.
اليوم أدركت أن 'اللي خلف ما ماتش'!!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire