تونستان في أفق سنة 2013
التكتل الوطني التونسي للانترنات
ثورة فريدة من نوعها باعتبارها مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، وذلك من حيث السرعة التي حدث بها التغيير العميق، وكذلك الدور القيادي للاسلامويين فيه، كما أنه كان يعتقد أن النظام محمي كما يجب من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التي أنفق النظام عليها ميزانيات ضخمة، إضافة إلى انعدام الأسباب الاعتيادية المعروفة للثورة، كالأزمات المالية، أو الهزائم العسكرية، أو عصيان الفلاحين، أو التمرد العسكري.
كانت نتيجة ذلك الحدث نشوء جمهورية إسلاموية بقيادة رجل دين منفي يبلغ من العمر اكثر من سبعين عاماً،
أتت أولى مظاهر المعارضة من الشباب العاطل عن العمل والراغب في الحرية، وهم فئة من السكان كانواً من العلمانيين نسبياً وأرادوا بناء جمهورية ثانية وليس خلافة إسلاية،
انقسم رجال الدين وتحالف بعضهم مع الليبراليين العلمانيين وآخرون مع الماركسيين والشيوعيين، الشيخ الراشد عمل على أن تتوحد المعارضة الدينية والعلمانية والليبرالية والأصولية تحت قيادته، وذلك عبر تجنب الخوض في التفاصيل، على الأقل علنا، فتلك قد تفرق بين الفصائل.
كانت المرحلة الثانية من الثورة مرحلة إسلامية الطابع، وبعد انتصارها الآن هناك ابتهاج كبير في تونستان جراء سقوط الطاغية، لكن الصمغ الذي أبقى مختلف التيارات الثورية الدينية والليبرالية والعلمانية والماركسية والشيوعية التي عارضت بن علي فقد مفعوله.
مجموعات كثيرة تتنافس كلها على السلطة ولدى كل منها تفسيرات مختلفة لأهداف الثورة:
إنهاء الاستبداد.
مزيد من الإسلام.
الحد من التأثير الغربي الأمريكي.
مزيد من العدالة الاجتماعية.
الحد من اللامساواة.
والبقاء كان للأقوى،للشيخ الراشد وأنصاره. كان الشيخ الراشد آنذاك في نهاية العقد السابع من عمره، السابعة والسبعين تقريباً، ولم يتسلم أي منصب رسمي قط، وكان منفياً خارج تونستان، وسبق له أن قال لبعض من سألوه عبارات من قبيل: "المرشدون الدينيون لايرغبون بالحكم". كل هذا ولد انطباعا لدى الكثيرين مفاده أنه يرغب بأن يكون المرشد الروحي صاحب سلطة، لكنه بمهارة اختار التوقيت المناسب لإزالة كل أعداءه وحلفائه الذين باتوا عقبة أمامه وأن يطبق نظام ولاية الفقيه في جمهورية إسلامية يقودها بنفسه.
في السنة الأولى للثورة كان هناك مركزان للسلطة: الحكومة الرسمية والمنظمات الثورية، رئيس الوزراء الذي عينه الشيخ الراشد بعد انتخابات المجلس التأسيسي، عمل على إنشاء حكومة إصلاحية ديمقراطية، في حين عملت بشكل مستقل كل من المجلس الثوري المكون من الشيخ الراشد وأتباعه من رجال الدين، والحرس الثوري، والمحكمة الثورية، والخلايا الثورية المحلية التي تحولت إلى لجان محلية. وفي حين راح رئيس الحكومة (المؤقتة) يطمئن الطبقة الوسطى، بات من الواضح أن سلطة اتخاذ القرارات النهائية هو في الهيئات الثورية وفي المجلس الثوري على وجه الخصوص، وفيما بعد الحزب الثوري الإسلامي. ازداد التوتر بين السلطتين بدون شك، رغم أن كلتيهما وضعت وأقرت من قبل الشيخ الراشد.
في 14 جانفي 2012، أعلنت حركة الحرية مشروع الدستور، وأشارت إلى تونستان باعتبارها جمهورية اسلاموية، يتضمن مجلس صيانة يتمتع بحق نقض التشريعات المتعارضة مع الإسلام، لكن دون وصي فقيه حاكم، أرسل الدستور إلى "مجلس الخبراء" المنتخب حديثاُ ليعرض أمام أعضاءه الذين حاز حلفاء الشيخ الراشد على الغالبية بينهم، رغم أن الشيخ الراشد كان قد أعلن بأن الدستور "صحيح" إلا أنه هو والمجلس أعلنوا رفضهم له، وصرح الشيخ الراشد بأن الحكومة الجديدة يجب أن تكون قائمة "بنسبة 100 ٪ على امير المؤمنين".
وضعه مجلس الخبراء دستورا جديدا أوجد من خلاله منصب القائد الأعلى للشيخ الراشد، ومنحه السيطرة على الجيش والأجهزه الأمنية، والحق في نقض المرشحين للمناصب، كما أقر الدستور بانتخاب رئيس جديد يتمتع بصلاحية أضيق، لكن المرشحين يجب أن يحوزوا على الموافقة المباشرة من القائد الأعلى (عبر مجلس صيانة الدستور)، وقد أصبح الشيخ الراشد نفسه رئيسا للدولة مدى الحياة باعتباره "قائد الثورة"، وعندما تمت الموافقة على الدستور في استفتاء أجري في أواخر سنة 2012 أصبح "المرشد الروحي الأعلى".
بادرت قيادة الثورة في البداية إلى إعدام كبار الجنرالات، وبعد شهرين أعدم أكثر من 200 من كبار مسؤولي بن علي المدنيين بهدف إزالة خطر أي انقلاب، وأجرى قضاة الثورة محاكمات موجزة افتقرت إلى وكلاء للدفاع أو محلفين أو إلى الشفافية، ولم تمنح المتهمين الفرصة للدفاع عن أنفسهم، أما الذين هربوا من تونستان فليسوا محصنين، فبعد مرور اشهر في باريس رئيس الوزراء الأسبق
من أوائل شهر مارس 2013 استشعر الديمقراطيون بخيبات الأمل المنتظرة عندما أعلن الشيخ الحاكم بأمر الله "لاتستخدموا هذا المصطلح (الديموقراطية)، إنها مفهوم غربي". في منتصف شهر افريل 2013 تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة لفكرة الحكومة الاسلاموية، استنكرالشيخ الراشد غاضبا الإحتجاجات ضد إغلاق الصحافة، وقال "كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك". بعد نصف سنة بدأ قمع المعارضة االمعتدلة واضطهد العديد من كبارها، باعتبارهم "متغربين" أكثر ممايجب.
استخدم الشيخ الراشد أحيانا أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه، وعندما دعا قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر في منتصف عام 2013 ضد القصاص، هددهم الشيخ بالإعدام بتهمة الردة "إذا لم يتوبوا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire