دفن ملف القناصة بهذه الشاكلة لن يساهم في الاستقرار
1
في حوار مع جريدة "الصباح" صدر اليوم 3 أفريل أعلن أخيرا الوزير الأول المؤقت عن موقف السلطة الرسمي من موضوع القناصة و هو ببساطة أن الملف "أغلق تماما"، مبني على المجهول حيث لا نعرف من أغلقه. فيما يلي السؤال و جواب قائد السبسي:
هناك موضوع القناصة الذي يؤرق قسما كبيرا من الشعب التونسي، خصوصا أنه يتعلق بشهداء سقطوا برصاص هذه المجموعات...
(مقاطعا)... من قال لك ذلك؟
هذه معلومات نشرتها الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، وأعلن عنها رسميا...
عندما حصلت تلك الاحداث، تم القبض على عديد الأشخاص وأودعوا السجن، والبلاد خالية اليوم من القناصة..
أنا أتحدث عن ملف القناصة خلال الاحداث التي تلت الثورة...
حكومتي ليس لها مفعول رجعي، ومسؤوليتي تبدأ من لحظة دخول للوزارة الأولى، فإذا كان ثمة قناصة لم يقع القبض عليهم فأرجو أن تعلمي بذلك.. واذا كان هناك قناصة موجودين في البلاد حاليا فدلني عليهم..
لقد سألت كل الاطراف الداخلية والدفاع وغيرهما حول هذا الموضوع، لكن الملف أغلق تماما، ومن تم العثور أو القبض عليه موجود حاليا في السجن، وأعني هنا من قتلوا في تالة والقصرين وغيرها...
الحوار الذي بدأ بمقدمة غير حرفية بالمناسبة تمدح الوزير الأول (الذي "تفضل" من منح نصيب من وقته المزدحم و غير ذلك من الحشو) و تنتمي لعصور خلت لتعكس بذلك ضرورة اعادة رسكلة بعض الصحفيين القدامي سأل فيه الصحفي سؤال القناصة لكن من غير الواضح إن أصر على تلقي تفاصيل أكثر من جواب الوزير. من بين تلك التفاصيل التي ينتظر الكثير من التونسيين و ليس عائلات الشهداء فقط أجوبتها بحرقة هي مثلا:
بالنسبة للقناصة قبل 14 جانفي: لا يخصون فقط القصرين و تالة بل أيضا مدنا و مناطق أخرى. هناك في أقل الاحوال ثلاثة تقارير الاول للامم المتحدة و الثاني لمنظمة العفو الدولية و الثالث لمنظمة "هيومان رايتس واتش" (سنتعرض اليه أسفله) يفصلون هذا الموضوع و اتساعه ليشمل مختلف مدن البلاد. أين و متى تم القبض عليهم اذ لا توجد أية اشارة لذلك لا اعلاميا و لا رسميا؟ هل تمت محاكمتهم؟ إلى أي أجهزة أمنية ينتمون و من أصدر الاوامر؟ ما هي أسماؤهم؟
نفس الاسئلة تنطبق على قناصة ما بعد 14 جانفي و الصراع الذي حدث بين اجهزة مختلفة في البلاد و الذي لا نعرف تفاصيله الى الان و خاصة ان كان في سياق انقلاب و انقلاب مضاد داخل السلطة.
بالمناسبة يجب التذكير هنا أن جواب قائد السبسي سبقه "توضيح" من مدير اقليم الحرس الوطني صدر في جريدة البيان يوم 28 مارس ينفي فيه وجود قناصة أصلا طيلة الاحداث في القصرين و أن الأمر مجرد "اشاعة".
المعضلة أن أبناء تالة خاصة من عائلات الشهداء متيقنين ليس فقط من وجود قناصة مسؤولين عن قتل ابنائهم بل أيضا من أسمائهم مثلما ينقل مراسلو "المشهد التونسي" في زيارة قاموا بها منذ حوالي الاسبوع:
2
نعم بلا شك فإنه وفقا للقانون التونسي مقاربة هذا الموضوع ستكون صعبة و تحتاج تحريا دقيقا. إذ أن في هذا القانون توجد من جهة شروط مضبوطة لاطلاق النار لكنه من جهة أخرى يسمح بذلك بشكل يمكن أن يتعدى على حقوق التظاهر بما يوحي بلادستورية القانون، و هو ما يطرح امكانية اغييره في المستقبل. لكن ذلك نقاش غير مجدي بالنسبة لمحاسبة افعال الماضي بما انها تمت في ظل القانون الحالي.
و ينظم القانون التونسي بمقتضى الفصلين 20-22 من قانون عدد 4 لسنة 1969 مؤرخ في 24 جانفي 1969 المتعلق بالاجتماعات العامّة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر، استخدام الأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، حيث تنص على أنهم قد يلجأون إليها فقط إذا لم تكن هناك أية وسيلة أخرى للدفاع عن "المكان الذي يحتلونه أو المنشآت التي يحمونها أو المراكز أو الأشخاص الذين عهد إليهم بحراستهم أو إذا كانت المقاومة بكيفية يستحيل التغّلب عليها بصفة أخرى إلا باستعمال الأسلحة".
و إذا رفض المتظاهرون "التفريق" على الرغم من التحذيرات التي أعطيت لهم، على أعوان إنفاذ القانون اتباع الإجراءات التالية من أجل تفريقهم:
1) الرش بالماء أو المطاردة بالعصي
2) الرمي بالقنابل المسيلة للدموع
3) طلق النار عموديا في الفضاء لتخويف المتجمهرين
4) طلق النار فوق رؤوس المتجمهرين
5) طلق النار صوب أرجلهم
وفقط إذا "عمد المتجمهرون إلى بلوغ مقاصدهم بالقوة رغم استعمال جميع الطرق المنصوص عليها
بالفصل 21" آنذاك "أعوان الأمن يطلقون عليهم النار مباشرة".
و قد علقت منظمات حقوقية على هذا القانون بأنه يوفر فرصة أكبر للشرطة التونسية لاستعمال الطلق الناري بقصد القتل مقارنة بمدونات قانونية أخرى. و على سبيل المثال كانت منظمة "هيومان رايتس واتش" قد أصدرت تقريرا يوم 29 جانفي من هذا العام داعية الحكومة الى فتح تحقيق في اعمال قتل المتظاهرين خلال الانتفاضة معتبرة ذلك "أولوية مستعجلة". و قارنت في هذا السياق بين القانون التونسي و القواعد الدولية لاستخدام القوة المميتة من طرف الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون كما هو مدون في مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.
و استنتجت المنظمة أن "لدى القانون التونسي معيار أدنى من مدونة قواعد السلوك، بشأن الظروف التي يمكن استخدام القوة المميتة في ظلها. في حين أن مدونة السلوك تنص على أنه "لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تماما تجنب ذلك من أجل حماية الأرواح"، يسمح القانون التونسي لموظفي إنفاذ القانون باستخدام القوة المميتة لحماية مواقعهم أو المباني."
و هنا يجب أن نشير الى أن القانون التونسي لسنة 1969 مأخوذ في الأصل من قانون فرنسي قديم تمت وراثة مواده، مثلما هو الحال في كثير من المواد المتعلقة بالحريات العام، من القوانين الفرنسية في الفترة الاستعمارية و بالتحديد من قوانين صدرت سنتي 1881 و 1938 و التي لم تعد مستعملة في فرنسا الآن. إذ يمكن لشرطي فرنسي الآن عصيان الاوامر الموجهة اليه اذا كان فيها خرق واضح للشرعية كما ان استعمال اسلحة ردعية خفيفة لتفريق المظاهرات تلقى الكثير من الجدل فما بالك الاسلحة النارية. و يجدر بالذكر أن آخر تطبيق للقوانين الفرنسية التي تسمح باطلاق النار على متظاهرين كان بداية الستينات ضد الجزائريين المطالبين بالاستقلال.
غير أن "هيومان رايتس واتش" استنتجت أيضا أنه حتى لو تقيدنا بالقانون التونسي فإن هناك مؤشرات قوية على خرقه من قبل الامن التونسي. إذ تقول في تقريرها أنه "لم تعمل الشرطة في معظم الأحيان حتى على الالتزام بمقتضيات القانون التونسي فيما يتعلق باتباع الاجراءات المتدرجة وغير القاتلة التي حددها القانون قبل فتح النار باتجاه أجزاء من أجسام المتظاهرين، استنادا الى شهادات جمعتها هيومن رايتس ووتش. وهذا يتضمن شهادات من شهود عيان قالوا إن أعوان الشرطة أطلقوا النار عليهم بدون تحذير، وكذلك أدلة طبية تُفيد أن العديد من المتظاهرين تلقـّوا طلقات نارية في الظهر أو في الرأس." و عرضت المنظمة في تقريرهها شهادات ميدانية على ذلك.
3
إن العدالة الانتقالية في تونس لن تكون أمرا استثنائيا في التجارب الانتقالية نحو الديمقراطية و هي خطوة تبدو شديدة الارتباط بعملية الانتقال الديمقراطي ذاتها حسب تجارب تاريخية سابقة، بها تترسخ العملية الديمقراطية ذاتها. و ينقل "المركز الدولي للعدالة الانتقالية"، المؤسسة الدولية المتخصصة في هذا الموضوع، عددا من الخطوات المترابطة و المتزامنة التي تضمن حدوث عدالة انتقالية سلسة بدون الوقوع في التشفي أو في الخطابات الممجوجة. و هذه الاجراءات المتزامنة تمثل مقاربة شاملة و تتمثل فيما يلي: الملاحقات القضائية التي تركز عادة على "الحيتان الكبيرة"، و لجان تقصي الحقائق، و برماج التعويضات المعنوية و المادية، و العدالة التي تركز على الاضطهاد الذي تعرضت اليه النساء بشكل خاص، و اصلاحات النظام الأمني، و جهود حفظ الذاكرة بما في ذلك من خلال إنشاء متاحف للذاكرة القمعية. و يؤكد هنا "المركز" أن أي تركيز على اجراء من بين هذه الاجراءات دون غيرها سيؤدي الى فشل عملية العدالة الانتقالية. و لا يتم التغافل في هذه الرؤية على الخصوصيات السياسية و ضرورات التسويات التي تفرضها اي مرحلة انتقالية لكن ذلك لا يتعارض حسب التجربة مع مقاربة ناجعة و حقيقية لتطبيق العدالة الانتقالية. و هذه النقطة تحديدا أي التوازن بين الضرورات السياسية و ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية لا يبدو واقع الحال في التجربة التونسية حتى الآن، إذ يبدو أنه يتم إعطاء الأولوية للتسويات السياسية في الكواليس على حساب العدالة.
4
تبدو تصريحات قائد السبسي عمليا متجاهلة لـ"لجنة تقصي الحقائق" فيما يخص "التجاوزات و الانتهاكات" التي تم الاعلان عنها من قبل حكومة الغنوشي. و ليس من الواضح في هذا السياق اين وصلت أعمال هذه اللجنة باستثناء تصريحات بعض اعضائها المتقطعة و بشكل فردي لوسائل الاعلام (مثلا تصريحات صلاح الدين الجورشي الى التلفزة "الوطنية" الاولى في احد البرامج أخيرا). و يذكر أن المرسوم الرئاسي الصادر يم 18 فيفري الماضي حدد في فصله الاول ما يلي: "تحدث هيئة عمومية مستقلة تدعى "اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق" لتقصي الحقائق في التجاوزات والانتهاكات المسجلة خلال الأحداث التي شهدتها البلاد التونسية خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها." و رغم أن هذه اللجنة لن تتقصى انتهاكات نظام بن علي قبل 17 ديسمبر الا ان ذلك لا يعني عدم اصدار مرسوم آخر للجنة ثانية تهتم بذلك.
كما تم أيضا تحديد عملها في الفصل الثاني بأنها "تلقي شكاوي المواطنين الذين كانوا ضحية تجاوزات تعرضوا لها مباشرة أو تعرض لها ذويهم خلال الفترة المذكورة بالفصل الأول أعلاه،" و أنه يمكن لها "الاطلاع على جميع الوثائق الإدارية أو الخاصة التي لها علاقة بالوقائع المطلوب تقصي الحقائق في شأنها والتي يطلب رئيس اللجنة من الجهة الموجودة في حوزتها هذه الوثائق تسليمها إليه،"و "استدعاء كل شخص طبيعي قصد الاستماع إليه إذا كان من شأن شهادته إنارة اللجنة فيما يتعلق بالوقائع المطلوب تقصي الحقائق في شأنها ويوجه رئيس اللجنة إلى الشخص المعني دعوة تتضمن جميع البيانات اللازمة التي تمكن من تقييم أسباب الشهادة المطلوبة ومداها." و مهمتها الأساسية تقديم تقرير الى الرئيس المؤقت و الوزير الأول لكن أيضا "لا تحول أعمال اللجنة دون التوجه إلى السلطة القضائية المختصة قصد تتبع مرتكبي التجاوزات والانتهاكات موضوع هذا المرسوم". و من الغريب أنه برغم كل هذه الضوابط و برغم أن اللجنة لم ترفع تقريرها بعد الى أي من السلط الرسمية فإن الحكومة قررت عبر الوزير الأول إنهاء الموضوع.
أغلقت السلطة الملف بدون شفافية و بدون محاسبة و بدون أي تعامل اعلامي رسمي. تم التعامل مع أحد أهم ملفات هذه الثورة، و الذي كان أحد عوامل تأجيجها و في النهاية اسقاط بن علي أي قتل الناس العمد في الشوارع، بذات الطريقة القديمة أي التلفيق و الغموض و ربما الصفقات في الكواليس الخلفية من خلال ترضية هذا الطرف او ذاك.
سيتحجج كل هؤلاء بضرورة "حماية الاستقرار" لتبرير هذا الاسلوب في دفن ملف القناصة. لكن المؤكد أن ذلك لن يقوم إلا بمزيد الدفع بهذا الملف نحو التوظيف السياسوي و تركه بؤرة للتوتر. و هذا بمعزل عن بقية الملفات من انتهاكات اخرى مثل التعذيب و اقتحام المنازل و غيرها.
إن الطريقة القديمة التي تتتسامح مع التجاوزات و تتجاهلها و تدفنها في الغموض لحماية الاستقرار هي جزء من النظام القديم. و من ثمة ستقوم بتقويض أي نظام قادم إن لم يتم التعامل معها بحكمة. و على حكومة قائد اسبسي ألا تتفاجئ إن رجع هذا الموضوع بقوة في الاسابيع او الاشهر القادمة و يتحول الى ارضية للاطاحة بها و بالتالي لوضع من عدم الاستقرار. فالاستقرار لن تحميه إلا الشفافية.
Par Kahlaoui Tarek
قرينط الشلواش, Saber Tounssi, Chiraz Chakchouk Ep Zitoun et 15 autres personnes aiment ça.
RépondreSupprimerKamal Aziza :
طارق خويا فما مشكل في الموقع
Il y a 40 minutes · J’aime · 1 personne
Kahlaoui Tarek نعم بسبب كثرة الزيارات اخي كمال
Il y a 36 minutes · J’aime · 1 personne
Oussama Mahat Can't get to the website Professor! Too many requests?
Il y a 28 minutes · J’aime
Kahlaoui Tarek نعم اسامة... بسبب كثرة الزيارات
Il y a 27 minutes · J’aime · 1 personne
Olifia Nosovitch Ils ferment les dossiers car ils se préparent a utiliser les mêmes méthodes dans l'avenir
Il y a 8 minutes · J’aime
التكتل الوطني التونسي للانترنات dam echouhada ma yemchich ehbeee !!!
il y a environ une minute · J’aime
Imed Abidi ye saidi elmelf lem we len yugla9 we sebssi le yu3ame ile ebed we sewfa yufte7 yewmen me le te5af en allah me3 sabirin