قانون انتخابي يسمح بتحيل الاحزاب أكبر عملية تحيل في تاريخ تونس
كنت بصدد التحضير لكتابة مقال يشرح النقاط الرئيسية التي ستسمح بتقييم البرامج الإنتخابية لمرشحي المجلس التأسيسي عندما اطلعت على نص المشروع الإنتخابي للمجلس التأسيسي الذي صوتت عليه الهيئة العليا. و كم كان استغرابي عندما اطلعت على طريقة الإقتراع التي اتفق عليها أعضاء الهيئة. و ها أنا أدق أجراس الخطر تحذيرا من النتائج الكارثية المحتملة لهذا الإختيار على ديمقراطية الإنتخابات و على عمل المجلس التأسيسي.
و لأولئك الذين ظنوا من الوهلة الأولى و قبل سماع باقي حديثي أني ربما أضخم الأشياء ادعوهم إلى التأمل في هذا الإكتشاف الأول: أنتم أمام سبق عالمي حيث لأول مرة تنظم إنتخابات وطنية في بلد ديمقراطي بقاعدة النسبية مع الأخذ بأكبر البقايا و دون حاجز تمثيل. نعم أقولها جيدا و أعيدها أنه لم يحدد حاجز تمثيل. و لو لم يكن الموضوع بقدر كبير من الخطورة لقلت أن طريقة الإقتراع هذه ستدخل كتب العلم السياسي تحت إسم “طريقة الإقتراع التونسية” و في الفصل المخصص ا “الأخطاء القاتلة الواجب قطعاً تجنبها”.
ادعو إذاً من أعماق قلبي رئيس الجمهورية لعدم المصادقة على المشروع في شكله الحالي و تنقيح طريقة الإقتراع بإضافة حاجز تمثيل (الإختيار الأمثل هو على الأرجح 5%). إن مستقبل البلاد و استقرارها رهن هذا التنقيح !
سأقوم بتحليل مختصر لالمشكل الكبير الذي تطرحه طريقة الإقتراع هذه و سأعطي بعد ذلك مثالاً يمكن جيداً أن يحدث في المشهد السياسي الحالي. المقال لا ينوي تفسير مبادئ قاعدة التمثيل النسبي. في آخر المقال رابط لتفسير مفصل لها على ويكيبيديا.
الفكرة الشائعة هو أن الإقتراع النسبي يخدم الديمقراطية أكثر من إقتراع الأغلبية بتحسين تمثيلية الأحزاب الصغيرة (أو القوائم بصفة عامة). هذا الرأي ليس خاطئاً لكن الأشياء أكثر تعقيداً من ذلك. فكلما كبر حضور الأحزاب الصغيرة كلما صعب تكوين أغلبية حاكمة و كلما أيضاً تشوهت البرامج الإنتخابية للأحزاب بسبب مفاوضاتها مع الأحزاب الصغيرة للإتفاق على برنامج الأغلبية. و الأسوأ في الأمر أن الأحزاب الصغيرة تأخذ ثقلاً أكبر و تكون قادرةً على إبتزاز الأحزاب الكبيرة إذا جاءت نتائج الإقتراع متقاربة. و كنتيجة لذلك تستبدل ارادة الشعوب بإرادة الأحزاب و الديمقراطية بما يدعى Particratie أو حكم الأحزاب. و من منكم يتابع الحياة السياسية في الكيان الصهيوني يرون الأحزاب الصغيرة جداً تؤثر بقوة على قرارات الحكومة و تسقطها إذا لم يستجب إلى طلباتها.
و في إختيار نوع الإقتراع النسبي يمثل الإقتراع النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا أكثر الإختيارات امعاناً في تضخيم تمثيل الأحزاب الصغيرة. لكن الذي يحدث الكارثة حقاً هو إلغاء حاجز التمثيل. لاعطائكم مثالاً اعلموا أن الإنتخابات التشريعية في الكيان الصهيوني تنظم في دائرة واحدة على مستوى البلاد و حدد حاجز التمثيل فيها ب 2% من مجمل الأصوات. و في التطبيق و رغم تلك الحواجز (دائرة كبيرة جداً و حاجز التمثيل ب 2% ) فإن عدداً من الأحزاب الصغيرة يتمكن من التحصل على مقاعد في الكنيست. و لهذا السبب فإن هناك نيةً لرفع حاجز التمثيل ل 4% للحد من الفوضى و عدم الإستقرار السياسي الذي يسببه تعدد الأحزاب الصغيرة.
و فيما يخص إنتخابات المجلس التأسيسي في تونس فالمشكل اخطر لأن الدوائر أصغر حجماً (600000 أو أقل في بعض الولايات) و خاصةً بسبب غياب حاجز التمثيل.
و في ما يلي مثال للتدليل على الأطروحة. و قد حاولت أن يكون المثال قريباً للمشهد السياسي الحالي. و أرجو التأكيد على أنه هناك سيناريوات أسوأ تأخذ بعين الإعتبار عوامل كالعروشية و الأوليغارشية (oligarchiques).
مثال للتدليل قابل للحدوث في المشهد السياسي الحالي :
دائرة إنتخابية ب 10 مقاعد.
- الحاصل الإنتخابي : 25000 صوت (وهو تقدير معقول نظراً لأن المرسوم حدد عدد المقاعد بمقعد لكل 60000 ساكن)
- قائمة النهضة : 30000 صوت (12%)
- قائمة الحزب الديمقراطي التقدمي : 30000 صوت (12%)
- 8 قوائم حاصلة تقريباً على : 6000 صوت (2,4%)
- قوائم أخرى بأقل من 5000 صوت
النتيجة:
- النهضة : 1 مقعد
- الحزب الديمقراطي التقدمي: 1 مقعد
- القائمات الثمانية : 1 مقعد لكل واحدة (أجل !)
و الأسوأ من ذلك هو ما يحدث إذا قرر الحزب الديمقراطي التقدمي تقديم 4 قوائم متوازنة تحصل كل منها على قرابة 7500 صوت.
- قائمة النهضة : 30000 صوت (12%)
- قائمة الحزب الديمقراطي التقدمي 1 : 7500 صوت (3%)
- قائمة الحزب الديمقراطي التقدمي 2 : 7500 صوت (3%)
- قائمة الحزب الديمقراطي التقدمي 3 : 7500 صوت (3%)
- قائمة الحزب الديمقراطي التقدمي 4 : 7500 صوت (3%)
- 8 قوائم حاصلة تقريباً على : 6000 صوت (2,4%)
- قوائم أخرى بأقل من 5000 صوت
النتيجة:
- النهضة : 1 مقعد
- الحزب الديمقراطي التقدمي: 4 مقاعد (أجل !)
- خمس من القائمات الثمانية : 1 مقعد لكل واحدة (أجل !)
يبدو ذلك غير معقول و لكنها حقيقة هذا النوع من الإقتراع. والسؤال البديهي هو لماذا لا يحصل هذا في بلدان أخرى تعتمد الإقتراع النسبي و الجواب في غاية البساطة : لأنها تعتمد حاجز تمثيل ب 5% في غالب الحالات. و على سبيل الذكر لا الحصر نذكر:
- البرلمان الأوروبي : 5%
- فرنسا في 88: 5%
- ألمانيا : 5%
- روسيا حتى 2005: 5%
- تركيا: 10% ( ! )
- بولونيا : 5%
و بإختصار عدا الكيان الصهيوني الذي يعتمد حاجز 2% و يسعى إلى ترفيعها إلى 4% فلم استطع إيجاد حاجز تمثيل بأقل من 5% في أي إنتخابات وطنية نسبية في بلد ديمقراطي.
و ادعوكم إلى محاولة تخيل كل النتائج اللامنطقية و التلاعبات التي تسمح بحدوثها صيغة الإقتراع التي اختيرت بدون حاجز تمثيل. و هناك فكرةٌ خطيرة ستنبع على محاولات تقسيم القوائم للحصول على مقاعد إضافية: انها محاولة تقوية القوائم بعوامل عروشية أو اوليغارشية (oligarchique) أو إعتماداً على الإنتماء إلى قرى أو أحياء وهو ما يعني طبع البرامج الإنتخابية بطوابع فئوية مقنعة لأن القانون الإنتخابي يمنع ذلك. و في كل الحالات النتيجة ستكون كارثية لشرعية المجلس و لقدرته على تحقيق إستقرار سياسي و ستمثل الإنتخابات خيبة أمل كبيرة لكل من كان يعول عليها لتكوين ممثل حقيقي للشعب يعكس بأمانة رغبته الإنتخابية و مطالبه الوطنية.
و السؤال الذي قد يطرح هو ماذا سيحدث إذا فرضنا حاجز تمثيلي ؟ الذي سيحدث هو أنه من ناحية الأحزاب ستعدل عن تقسيم قوائمها لخوفها من الاصطدام بحاجز التمثيل و من ناحية أخرى ستعدل القوائم الصغيرة عن التقدم منفصلة لعلمها بأن الحاجز سيمنعها من الفوز بمقاعد و سيتجمع الناخبون حول القوائم ذات الطابع السياسي لا الفئوي القادرة على تعدي حاجز التمثيل. و استباقاً لمن سيقول أن كل حزب لا يستطيع أن يكون له أكثر من قائمة بإسمه أوضح أنا بإمكان الحزب تكوين قائمة “صديقة” لا تحمل إسم الحزب و لكن كل أعضائها هم أعضاء في الحزب. و أود في الأخير أن أقول أن إختيار السيناريو هو فقط للإقتراب من الواقع و لا ينم عن أي فكرة على الأحزاب و أنه بالإمكان تغيير الحزب الديمقراطي التقدمي بالنهضة دون أن يغير ذلك شيئاً من فكرة المقال.
و أنا ادعو من موقعي كمواطن تونسي كل التونسين إلى المطالبة بتحديد حاجز تمثيل إذا كنا نريد لمسارنا الديمقراطي أن ينجح و لبلادنا الخير !
رابط لتفسير مفصل لمبادئ قاعدة التمثيل النسبي على ويكيبيديا.
http://fr.wikipedia.org/wiki/Scrutin_proportionnel_plurinominal#M.C3.A9thode_du_plus_fort_reste
انيس العاشق
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire