المحامون التونسيون, ثورة العدالة أم عدالة الثورة ؟
ينسب للوزير الأول البريطاني تشرشل أنه كان كلما زار منطقة في بلاده يبادر بالسؤال عن أحوال العدالة.
و لا غرابة في ذالك طالما أن الديمقراطية تهدف قبل كل شيء إلى تحقيق العدل و المساواة في الحقوق و الواجبات و إذا نجحت العدالة في حماية حقوق المتقاضين و في ردع المخالفين، تكون بذلك قد بنت أسس للديمقراطية و هيكلها ووفرت لها الحماية الكفيلة بضمان ديمومتها.
لقد كانت لديّ قناعة راسخة في حسن مستوى رجال القانون في بلادنا و ذلك من خلال بعض الحقوقيين الذين نالني شرف التعلم على أيديهم, للتوضيح فلست رجل قانون لكنني حضيت بدراسة بعض الجوانب القانونية خلال مشواري الدراسي و حتى أثناء حياتي المهنية.
ظلت هذه القناعة تلازمني حتى الأيام الأولى من الثورة و كنت أتطلع أن يلعب رجال القانون في بلادي دورا محوريّا في تأطير الثورة و في تصحيح مسارها. كنت أتوق أن تلعب هذه النخبة دورا رئيسيّا في ترسيخ ثقافة الديمقراطية و العدل و المساواة لدى عامّة الشعب التونسي الذي رغم مستواه التعليمي المرموق لا زال يفتقر إلى تكوين ديمقراطي قانوني أدنى يمكنه من الشروع في ممارسة الديمقراطية بأكثر ثقة في النفس.
و مع الشروع في أولى المنابر التلفزية الحرّة أصبت برجّة قويّة من هول ما كنت أسمع من أفواه صحفيين و خاصة رجال قانون كان الصحفيون يطنبون في مدح قدراتهم. و باستثناء أقلية نادرة كانت تدخلاتها منطقية و بعيدة عن كل أشكال الحماس المفرط و المغالاة فقد اتسمت أغلب تدخلات رجالات القانون الذين تداولوا على مختلف القنوات التونسية بقسط وافر من المغلات و الزيغ عن الطريق السوي وصل قي بعض الأحيان إلى حدّ الاتهام بالباطل و التحريض هذا إضافة إلى هتك أعراض المواطنين و التشهير بهم دون دليل واضح. لقد كنت أبحث في كل منبر عن رجل عاقل يدل الجمع على الطريق السوي و حتى إن وجد يتولى بقية الحاضرون بـ"قمعه" مثلما حدث يوم 21 جانفي 2011 بقناة حنبعل التلفزية حيث جوابا على تسائل أحد النظارة بخصوص ما يتعين على مساجين الحق العام، الذين فروا من السجون المدنية، فعله لتسوية وضعهم؟ يومها نصح أحد المحامين المعني بالأمر بتسليم نفسه إلى أقرب وكيل للجمهورية و ذلك حتى يسقط على شخصه جريمة الفرار و يتمتع بظروف التخفيف التي يمكن أن تحسب له. استحسنت هذا التدخل الدقيق و الصائب و كم كانت دهشتي كبيرة حين تدخل أحد المحامين ممن أطنب الحاضرون في مدحه و توجه إلى السائل موصيا إيّاه بأن لا يعمل بهذه النصيحة الغير الصائبة و أن لا يسلم نفسه وواعدا إيّاه بأنه سيعمل على إدراج قائمة الفارين من السجن ضمن قائمة المنتفعين بالعفو التشريعي العام. لم أصدق ما سمعت لكن بقية الحوار أكدت لي هول ما سمعت, ما هذا الهراء؟ هل يعلم هذا المحامي المحترم ما هو العفو التشريعي العام و ما هي آثاره خاصّة فيما يتعلق باسترداد كافة الحقوق؟ تصوروا مجرما قتل ابن مشغله و حكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد ثم يفر من السجن في الأحداث التي واكبت الثورة ثم يتم تمتيعه بالعفو التشريعي العام و يسترد حقوقه كاملة نتيجة ذلك و يطالب مشغله بأن يدفع له رواتب السنوات التي قضّاها في السجن. هل يمكن تصور شيء من هذا القبيل؟
وتتواصل بطولات محامونا النوابغ و كانت لهم صولة أخري خلال المنبر الذي نظمته قناة نسمة حول تدخل لجنة تقصي الحقائق و مقاومة الفساد في القصر الرئاسي حيث تحامل بعض المحامون على أعضاء اللجنة و تطاولوا عليهم إلى حدّ تجاوز حدود اللياقة، مما جعل أحد النظارة يعلق مازحا بأنه يتعين على التونسيين جلب محامون من الخارج على غرار ما يتمّ بالنسبة لحكّام كرة القدم.
أمّا من آخر ما ظهر فيتمثل في شريطا فيديو يتم تداولهما على الفايس بوك تظهر في الشرط الأول محامية التجمع الدستوري الديمقراطي في قاعة الجلسة وهي محاصرة بكل زملائها الذين كانت تعج بهم قاعة الجلسة و كانوا يهتفون بعبارات مناوئة تجاه التجمع و زميلتهم واعتلى بعضهم الطاولات لتنسيق الهتافات وكأني بأحدهم كان حاضرا في المنبر التلفزي السابق الذكر و كانت المحامية المذكورة تواجههم بابتسامة رقيقة و كأنها تحاول التهدئة من روعهم و إقناعهم بأنها تؤدي واجبها في الدفاع الشرعي على منوبها الذي تقر له كل قوانين الدنيا هذا الحق. و تتواصل محاصرة المحامية المذكورة من طرف زملائها إلى حين إجلائها من طرف قوات الأمن وسط وابل من الشتائم التي تقشعر منها الآذان.
أمّا الشريط الثاني فهو امتداد للشريط الأول ويظهر فيه أحد المحامون في تمثيلية رخيصة تحاكى المؤامرات التي كانت تحاك لبعض المعارضين أو من يراد الإيقاع بهم. و يظهر في الشريط "وجه وديع" كما جاء في الأغنية "و براءة الأطفال في عينيه" يذكر بأنه رأي زملائه يلاحقون المحامية المذكورة و جرى هو في اتجاهها حتى تصادم بها صدفة (يا سبحان الله) عندها يروي أنها رشته بقنبلة غازيّة شبيهة بما يوجد عند الشرطة و يذكره صديقه بأن زوجها شرطي ثم يظهر أثار ضربة في ساقه قال لا يدري ان كانت هي من ركلته أو أحد مرافقيها و يتوجه الجمع لتقديم شكوى بالمحامية للعميد الذي لا شك أنه جزء من المسرحية الرخيصة, سؤال واحد حيرني : لماذا جري المحامي "المظلوم" في اتجاه زميلته الملاحقة؟ و هل من المروءة و الشهامة أن يعترض سبيل امرأة بهذه الشاكلة؟
بقطع النظر عن انتماء هذه المحامية و اتجاهاتها السياسية فإن قاعة المحكمة لا يجوز أن تتحول إلى فضاء تسوده الفوضى و لا تتوفر فيه أبسط الضمانات التي يقرها القانون للمتقاضين فكيف سمح قاضي الجلسة لهذا القطيع (لم أجد مرادفا آخر) بنشر الفوضى بهذه الشاكلة و كيف نرضى لقضاء عهد الثورة أن يكون نسخة طبق الأصل لما سبقه؟
هل تعني استقلالية القضاء بالنسبة لهؤلاء السادة مجرد تبادل للأدوار مع الإبقاء على الأساليب والممارسات التي كانت تحدث في السابق؟
هل من الديمقراطية أن ننكر على أي طرف، مهما كان جرمه، حقّه في الدفاع عن نفسه؟
هل يمكن لأيّ محام أن يؤدي واجبه في الدفاع عن منوبه في ضل هذا الإرهاب؟
هل نقبل بأن يتعرض المحامي لمساءلات أو مضايقات على خلفية القيام بواجبه في الدفاع على منوبه؟
إن ثورة شعبنا حققت انجازا عظيما و تجاوز صداها و تداعياتها حدود الوطن لتشمل جزءا هاما من الوطن العربي و غيره وطالت حتى الصين وهو ما يحتم علينا التقدم بخطى ثابتة في المسار السوي حتى نقي ثورتنا من كل المخاطر التي قد تترصدها.
إن حرصي على عزة وطني جعلني أسوق هذه الخواطر بكل لطف إلى رجال القانون في تونس الحرة لكي يقطعوا بدورهم مع العهد البائد و أساليبه البغيضة و يعملوا على صياغة منظومة قضائية متطورة و مستقلة تؤسس لحياة ديمقراطية عادلة
Par : Moncef Kitar
ان لم يخدم رجل القانون صوت الشعب فانه يخدم بذلك صوت الطاغوت
RépondreSupprimer